الصرع
ما هو الصرع؟
الصرع عبارة مجموعة من الصور السريرية التي تستند إلى الاضطرابات الوظيفية بالدماغ.
الدماغ هو مركز التحكم في أجسامنا. وهو يتكون من العديد من الخلايا العصبية التي ترتبط ببعضها البعض وتتحكم في جميع وظائف الجسم تقريبًا (مثل التحدث أو الرؤية أو حركات أجزاء الجسم المختلفة). إذا حدث خلل في الاتصال بين الخلايا العصبية، فقد يصبح كلا نصفي الدماغ أو مناطق مختلفة من الدماغ نشطة بشكل مفرط. وهذا ما يؤدي إلى حدوث ما يُسمى نوبات الصرع.
من المهم في هذا السياق أن الأمر لا يتعلق بمرض وراثي، بل تحدث على الأرجح طفرات عشوائية. حتى لو كان الصرع يحدث في بعض الأحيان بشكل متكرر في الأسر، فإن هذا يعكس استعدادًا عامًا، مثلما يحدث مع حالات الحساسية أيضًا. أما أشكال الصرع العائلية “الحقيقية” الموروثة مباشرةً فتعد نادرة. إذا لم يتم تحديد سبب آخر، فإن القاعدة الأساسية هي أنه كلما حدثت النوبات في وقت مبكر (خاصةً خلال العامين الأولين من العمر)، زادت احتمالية اكتشاف تغيير جيني وزادت صعوبة علاج النوبات.
الأعراض
اعتمادًا على الخلايا العصبية في الدماغ المصابة قد تستمر نوبة الصرع لفترات زمنية متفاوتة وتعبر عن نفسها بطرق مختلفة. والعنصر الحاسم هو أعراض (علامات) النوبة المعنية، على سبيل المثال ارتعاش الذراع أو فقدان الوعي. وبناءً على الأعراض يستطيع الطبيب في كثير من الأحيان تحديد موضع انطلاق النوبة من الدماغ. واعتمادًا على موضع الانطلاق، يتم التمييز بين الأنواع التالية من النوبات: النوبات المُعمَّمة، والنوبات البؤرية، والنوبات غير القابلة للتصنيف.
النوبة المُعمَّمة
عندما تشمل النوبة نصفي الدماغ، فإنها تسمى نوبة صرع مُعمَّمة. غالبًا ما تكون هذه النوبات مصحوبة بفقدان الوعي وتشنجات في جميع أنحاء الجسم. يتم التمييز هنا بشكل أساسي بين نوبات الصرع ذات العلامات الحركية (توترية – رمعية، حركية بشكل آخر) والعلامات غير الحركية (Absence). علاوة على ذلك، هناك العديد من الأنواع الفرعية المختلفة للنوبات المُعمَّمة تتسم بأعراض مختلفة.
النوبة البؤرية
عندما تحدث النوبة في منطقة محدودة جدًا من الدماغ، فإنها تُسمى نوبة بؤرية. وحتى النوبات البؤرية تختلف أشكالها. وغالبًا ما يتوقف ذلك على منطقة الدماغ المتأثرة بالنوبة. وهنا توجد نوبات يتم معايشتها بوعي (مع تذكُّر النوبة) وبدون وعي (دون تذكُّر النوبة) وتكون مصحوبة بعلامات حركية أو غير حركية.
النوبات غير القابلة للتصنيف
هناك نوبات لا يمكن تصنيفها بأمان تحت فئة معينة نظرًا لعدم كفاية المعلومات أو عدم اكتمالها.
الأسباب
هناك العديد من الأسباب المختلفة لنوبات الصرع. قد يتعرَّض أي إنسان لنوبة صرع في مواقف معينة. ويميل البعض إلى ذلك بشكل أكبر، بينما يميل البعض الآخر بشكل أقل نسبيًا. تحدث نوبات الصرع لدى ما يصل إلى 5% من الأشخاص، خاصةً في مرحلة الطفولة، على هيئة نوبات مرتبطة بالحمى. وتُسمى هذه النوبات بنوبات التشنج الحموية. فقط عندما تتكرر النوبات دون دافع خارجي، فهذا يعني أننا نتحدث عن حالة صرع. وقد يرجع ذلك على سبيل المثال إلى أسباب وراثية أو بنيوية استقلابية أو مُعدية أو متواسطة بالمناعة:
الأسباب الوراثية
يستمر الصرع في بعض العائلات لعدة أجيال. وقد يكون ذلك مؤشرًا على الاستعداد الوراثي للمرض. مع بعض الأشخاص الذين يعانون من أسباب وراثية للصرع يمكن أيضًا اكتشاف تغييرات خاصة في المادة الجينية.
الأسباب البنيوية الاستقلابية
هنا تحدث النوبة كمؤشر على مرض آخر، على سبيل المثال تشوهات الدماغ أو أمراض التمثيل الغذائي أو تلف الدماغ في إطار الإصابات البالغة.
الأسباب المتواسطة بالمناعة
تحدث النوبات في هذه الأشكال بسبب عمليات التهابية في الدماغ. ويحدث ذلك عندما تهاجم مناعة الجسم (جهاز المناعة) أنسجة الدماغ وتؤدي إلى حدوث التهاب السحايا.
الأسباب المُعدية
إذا كان الصرع نتيجة مباشرة لعدوى معروفة، على سبيل المثال السل، فيروس العوز المناعي البشري، الملاريا الدماغية وما إلى ذلك، فإننا نتحدث عن سبب مُعدٍ.
أسباب غير معروفة
من الممكن أيضًا أن يظل سبب الصرع غير واضح.
مسار المرض
في كثير من الأحيان يكون مسار مرض الصرع حميدًا أو غير ضار وغير معقَّد، حيث يختفي المرض من تلقاء نفسه، خاصةً عند الأطفال، أو تختفي النوبات باستمرار نتيجة الخضوع للمداواة أو العلاج. ولكن هناك أنواع أخرى من الصرع تتسم بمسار أكثر تعقيدًا ويصعب علاجها.
تختلف شدة الصرع ومدى تكرار النوبات بشكل كبير من شخص لآخر. وفي هذا الصدد هناك عوامل مختلفة تلعب دورًا، على سبيل المثال سبب الصرع، والعمر عند بداية ظهور الصرع، وما إلى ذلك.
الفحص الجيني ليس ضروريًا إذا كان المسار نمطيًا. عادةً لا يكون تغييرًا واحدًا في جين معين، بل تغييرات صغيرة عديدة تؤدي معًا إلى الإصابة بالصرع. يمكن تخيُّل هذا بطريقة مماثلة على سبيل المثال مع الحساسية، والتي تحدث أيضًا بشكل متكرر في أسر معينة، والتي يكون فيها الاستعداد “وراثيًا”.
التشخيص
عندما تحدث النوبات بشكل متكرر، فإننا نتحدث عن حالة صرع. يُعد التحدث إلى طبيب خبير أمرًا ضروريًا لتوضيح ما إذا كان هناك حالة صرع وما هو السبب المحتمل. من المُهم أن يصف المريض بدقة شكواه والأعراض وتاريخه بالتفصيل.
وبعد ذلك يتم بمشاركة الطبيب اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان يجب أولاً إجراء رسم كهربائي للدماغ (EEG) (= وتُترجم “مخطط كهربية الدماغ”). في هذا الفحص يتم قياس موجات الدماغ. مع أشكال معينة من الصرع يمكن أن تظهر أنماط مميزة في مخطط كهربية الدماغ.
سينظر الطبيب بعد ذلك فيما إذا كان ينبغي إجراء فحص آخر عن طريق أخذ عينة دم أو تصوير بالرنين المغناطيسي (MRT). يساعد فحص التصوير بالرنين المغناطيسي في معرفة ما إذا كانت هناك تغييرات في الدماغ يمكن أن تؤدي إلى حدوث النوبات.
الاختبارات الجينية
إذا كان من الممكن إثبات أن الصرع يرجع إلى سبب جيني، فمن الممكن في بعض الأحيان التنبؤ بالمزيد حول مسار المرض. مع بعض التغييرات يكون مسار المرض بسيطًا. ومع بعض الطفرات الأخرى يتخذ المرض مسارًا صعبًا. وتعد هذه الحالة أكثر شيوعًا.
وقد يكون السبب الجيني منطقيًا إذا كان هناك العديد من النوبات التي يصعب علاجها حتى مع الأدوية وإذا لم يكن هناك سبب آخر معروف. وتُعتبر متلازمة درافت مثال جيد على ذلك: حيث يعاني فيها الأطفال من نوبات عديدة تبدأ في السنة الأولى أو الثانية من العمر، وأحيانًا تكون في البداية نوبات مرتبطة بالحُمَّى.
ولدى حوالي 80% من هؤلاء الأطفال يكون هناك تغيير في أحد الجينات وهو الجين SCN1A. بعض الأدوية، المُسماة حاصرات قنوات الصوديوم، قد تجعل النوبات أسوأ. لذلك يجب استخدامها باعتدال أو عدم استخدامها على الإطلاق. حتى لو كان تحديد السبب أمرًا عويصًا – إلا أن العديد من العائلات تشعر بالارتياح الشديد عند اكتشاف السبب. ويؤدي ذلك غالبًا إلى ارتياح كبير من الشعور بالذنب. إن تخصيص سبب معين يتيح تبادلًا أكثر استهدافًا مع أسر أخرى لديها نفس الصورة السريرية. وقد يكون لهذا أيضًا تأثير إيجابي على مسار المرض لدى جميع المصابين. في جميع الخطوات يجب أن تأتي مصلحة الطفل دائمًا في المقام الأول.
العلاج
الصرع في كثير من الحالات قابل للعلاج، ولكن بالطبع يعتمد الدواء وشكل العلاج على السبب ومسار المرض. مع بعض الطفرات نعلم أن الأطفال والمراهقين من الناحية العملية يستجيبون بالكاد للعقاقير. والاستراتيجية المتبعة في هذه الحالة تهدف بالأحرى، في ظل استخدام أقل عدد ممكن من الأدوية، إلى اضطرابات قليلة، ونوبات قليلة، وليس بالضرورة اختفاء النوبات تمامًا.
ينبغي ألا يؤدي هذا إلى الاستسلام، ولكن إلى تقييم واقعي لأهداف العلاج، وربما أيضًا إلى نوعية حياة أفضل مع تأثيرات مزعجة أقل للأدوية. يمكن أيضًا تجنيب الأطفال المزيد من الفحوصات لتحديد السبب.
قد يكون تحديد السبب غير ممكن أحيانًا. في بعض الأحيان، تقدم الاختبارات أيضًا نتائج غير حاسمة أو حتى مُربكة. على سبيل المثال إذا تم اكتشاف تغيير لأول مرة في جميع أنحاء العالم أو كان هناك عدد قليل جدًا من الأشخاص لديهم نفس التغيير أو تغيير مشابه.
لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، راجع قسم الوراثة البشرية العامة في هذا الموقع. كما أنه من غير الممكن التنبؤ بدقة بمسار المرض في الحالات الفردية. هناك محاولات لإيجاد علاجات “مصممة خصيصًا” قدر الإمكان لمختلف الأمراض الوراثية، غير أن هذا – باستثناء بعض الحالات الفردية – لا يزال أمراً مستقبليًا.
مزيد من الأسئلة
ما الذي يجب معرفته حول الجينات الوراثية للصرع؟
هناك العديد من الأسباب المختلفة للصرع. غالبًا ما يمكن اكتشاف الأسباب عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI). ولكن هناك أيضًا أطفال لا يمكن العثور على سبب ملموس لديهم في البداية. إذا استمر حدوث العديد من النوبات على الرغم من الأدوية المختلفة، فقد يكون الفحص الجيني قادرًا على توفير المعلومات. سيناقش طبيب الأطفال المختص المعالج هذا الفحص معك في الحالات الفردية.
من المهم في هذا السياق ألا يتعلق الأمر بمرض وراثي. عادةً لا توجد وراثة مباشرة من الأم أو الأب، ولكن تحدث طفرات عشوائية. حتى لو كان الصرع يحدث في بعض الأحيان بشكل متكرر في الأسر، فإن هذا يعكس استعدادًا عامًا (مثل حالات الحساسية أيضًا). أما أشكال الصرع العائلية “الحقيقية” الموروثة مباشرة فتعد نادرة.
إذا لم يتم تحديد سبب آخر، فإن القاعدة الأساسية هي أنه كلما حدثت النوبات في وقت مبكر (خاصة في العامين الأولين من العمر)، زادت احتمالية اكتشاف تغيير جيني وزادت صعوبة علاج النوبات.
متى يجب النظر إلى سبب جيني محتمل للصرع في المقام الأول؟
عندما لا يمكن الحصول على تفسير جيد آخر للصرع في البداية. نحن على دراية بالعديد من الأشكال النموذجية، التي يلعب فيها الاستعداد الوراثي دورًا دون العثور على إثبات جيني واضح على الفور دائمًا. في كثير من الحالات، لا يعد هذا ضروريًا؛ حيث لا توجد عواقب فورية. نحن نعلم أن نوبات الصرع، التي تحدث لاحقًا في مرحلة الطفولة، مثل الصرع المصحوب بفقدان الوعي أو ما يُسمى “صرع رولاندو”، أكثر شيوعًا في بعض الأسر. الفحص الجيني ليس ضروريًا إذا كان المسار نموذجيًا. عادةً لا يكون تغييرًا واحدًا في جين معين، بل تغييرات صغيرة عديدة تؤدي معًا إلى الإصابة بالصرع. يمكن تخيل هذا بطريقة مماثلة على سبيل المثال مع الحساسية، والتي تحدث أيضًا بشكل متكرر في أسر معينة، والتي يكون فيها الاستعداد “وراثيًا”.
ومع ذلك، يمكن أن يكون السبب الجيني منطقيًا إذا كان هناك العديد من النوبات، التي يصعب علاجها حتى مع الأدوية وإذا لم يكن هناك سبب آخر معروف. وخير مثال على ذلك متلازمة دريفت، والتي يعاني فيها الأطفال من نوبات عديدة تبدأ في السنة الأولى أو الثانية من العمر، وأحيانًا تكون في البداية نوبات مرتبطة بالحمى. ويعد العلاج الدوائي لهذه المتلازمة صعباً، وحوالي 80% من هؤلاء الأطفال لديهم تغيير في أحد الجينات يُسمى الجين SCN1A.
مزايا وعيوب الاختبار الجيني للصرع
إذا كان من الممكن إثبات أن الصرع يرجع إلى سبب جيني، فمن الممكن في بعض الأحيان التنبؤ بالمزيد حول مسار المرض. في بعض التغييرات يكون مسار المرض بسيطًا. وفي بعض الطفرات الأخرى يتخذ المرض مسارًا صعبًا. وتعد هذه الحالة أكثر شيوعًا. في بعض الأحيان، يمكن أيضًا، بناًء على التغيير، اتخاذ قرارات أفضل بشأن اختيار الدواء. مثال على ذلك: إذا تم اكتشاف طفرة SCN1A لدى الطفل، فإننا نعلم أن بعض الأدوية (ما يُسمى بحاصرات قنوات الصوديوم) يمكن أن تؤدي إلى تفاقم النوبات، وبالتالي يجب استخدامها بحذر شديد أو عدم استخدامها على الإطلاق.
مع الطفرات الأخرى، نعلم أن الأطفال والمراهقين بالكاد يستجيبون للدواء وأن الهدف يتمثل في استخدام أقل عدد ممكن من الأدوية مع أقل عدد ممكن من التأثيرات المزعجة وأقل عدد ممكن من النوبات، وليس بالضرورة التخلص التام من النوبات. ينبغي ألا يؤدي هذا إلى الاستسلام، ولكن إلى تقييم واقعي لأهداف العلاج، وربما أيضًا إلى نوعية حياة أفضل مع تأثيرات مزعجة أقل للأدوية. يمكن أيضًا تجنيب الأطفال المزيد من الفحوصات لاكتشاف السبب. يشعر العديد من الأسر بارتياح شديد عند اكتشاف سبب معين؛ لأن هذا غالبًا ما يؤدي إلى راحة كبيرة من الشعور بالذنب. يتيح اكتشاف سبب معين تبادلًا أكثر استهدافًا مع الأسر الأخرى، التي لديها نفس الصورة السريرية.
حدود الاختبارات الجينية في الصرع
قد يكون تحديد السبب غير ممكن أحيانًا. في بعض الأحيان، تقدم الاختبارات أيضًا نتائج غير حاسمة أو مُربكة. على سبيل المثال إذا تم اكتشاف تغيير لأول مرة في جميع أنحاء العالم أو كان هناك عدد قليل جدًا من الأشخاص لديهم نفس التغيير أو تغيير مشابه. لمزيد من المعلومات، راجع قسم “مبادئ وراثية” على هذا الموقع. كما أنه من غير الممكن التنبؤ بدقة بمسار المرض في الحالات الفردية. هناك محاولات لإيجاد علاجات “مصممة خصيصًا” قدر الإمكان لمختلف الأمراض الوراثية، غير أن هذا – باستثناء بعض الحالات الفردية – لا يزال أمراً مستقبليًا.